لقد شاء الله لسوريا بعد سنين من الاستبداد والظلم والعبودية غيرت ملامح
هذه البقعة أن يسخر لها سببًا من أسباب الصحوة وفسحة من فسحات الأمل لتعيد
رسم ملامحها من جديد وتسترد عزًّا مسلوبًا وكرامة تم اغتصابها على مدار
أربعين سنة، سببًا اختزل مسيرة نضال طويلة لمفكريين ومبدعين وكتاب ومثقفين
دأبوا طويلاً لأن يكونوا شرارة توقد نارا تضيئ دروب العزة من جديد، لكن
الله أبى إلا أن تكون على يد رمز من رموز الطهر والعفوية والمحبة، أنامل
صغيرة راحت تخط على لوحة العز المستقبلية دعائم مسيرة نضال لشعب أدهش نفسه
قبل أن يدهش العالم بعزيمة الإصرار على استرجاع كرامته ونيل حريته المسلوبة
رغم جميع ما شهده من أساليب لقتل هذا الحلم وهذا الهدف.
شاء الله أن يكون الأطفال دائمًا رغم جميع ممارسات المستبد حافزًا لعدم
التراجع والاستسلام، فتذكر أطفال درعا وأظافرهم المنزوعة من أناملهم وجسد
هاجر الغض الممرغ بالدماء وابتسامة حمزة الخطيب التي حاول المستبد أن يمحو
ملامحها، كل ذلك وأمثلته كثير ينسي الثوار في غياهب المعتقل آلامهم ويتراءى
لهم من ندوبهم شعارات عز وهتافات نصر، فتغدو صرخة الطفولة إذعانًا بولادة
فجر جديد.
ومن هنا أبى هذا النظام البربري في سوريا إلا أن تكون الطفولة هي عدوه
الأول الذي تجرأ على زعزعة عرشه الذي حاول تثبيت دعائمه حقبة طويلة من
الزمن، فصب على هذا العدو جام غضبه وراح يحاول أن يقتل فيه كل شيء جميل
ويغير ملامح التحفيز على مواصلة النضال للثوار وجعله رمزًا للخوف وضغطًا
للاستسلام، ولم يعِ هذا المستبد بغبائه اللامتناهي أن طفولةً مثل هذه
الطفولة وشعبًا مثل هذا الشعب وقودُ عزيمته المظالم والألم، فكما بالغ في
ظلمه وقهره واستبداده وكفره وعهره بالغ أيضًا في إجرامه ومحاولة قتل هذا
الرمز بأي أسلوب كان، فكانت مجزرة الحولة دليلاً على نفوس مجرمة مشحونة
بالإجرام والحقد الدفين على هذا الرمز وما يكتنفه من معاني ثورية وإصرار
وعزيمة وأملاً لمستقبل قريب، فأراد أن يقتله بأسلوب قذر وإجرامي غير مسبوق
علّه يشبع غريزته الإجرمية وحقده الدفين، فسالت على ثرى الحولة أنهار من
دماء الحرية تفوح منها رائحة البطولة والحرية والإيمان عبقت في أنوف كل
الثوار في سورية فانتشت أرواحهم، وترجمت هذه النشوة بشعارات تغلي لها
الصدور حرقة ممزوجة بنشوة النصر لتغدو الحولة وأطفال الحولة ودماء الحولة
رمزًا جديدًا من رموز النصر تضاف إلى رموز كثيرة قد سجلتها مسيرة الثورة،
ثورة الكرامة في سوريا الجريحة، وهذا ما ترجمته تسمية هذه الجمعة “أطفال
الحولة مشاعل النصر”.
عاشت سوريا حرة