لم يكن تعنت النظام الروسي من فراغ.. بل إنه كان نتيجة أخطاء كارثية
ارتكبتها المعارضة السورية وأخص بالذكر المجلس الوطني السوري.. لم يعامل
أحد روسيا على أنها دولة عظمى بل اكتفوا بمعاملتها دولة مافيا تستطيع دول
الخليج (حليفتهم) أن تشتريها بأموال نفطها.. وظنوا كما يردد دائمًا السيد
عمار القربي أن زعماء روسيا يشتريهم النظام السوري ببضعة ملايين من
الدولارات ونسي الاحتفال الكبير الذي استُقبل به وزير خارجية روسيا في
سوريا بعد الفيتو الروسي – الصيني مخالفًا بذلك كل الأعراف والتقاليد
الدبلوماسية المتبعة.
المجلس الوطني السوري وضع كل البيض في سلة أمريكا وحلفائها، وهذا طبيعي
بالنسبة للحزب الأقوى والأكثر تنظيمًا، وبالتالي المسيطر على المجلس الوطني
وأقصد الإخوان المسلمين.. والذين شاء القدير أن ترضى أمريكا وكل من يدور
في فلكها عليهم ليخرجوا من الظلمة إلى النور ويستلموا دفة القيادة في بلاد
كانوا يقبعون في سجونها لسنوات طويلة.
روسيا المتعنتة في سياستها الخارجية عمومًا، والتي ترى أنها تدافع عن
مصالح روسيا العظمى وامتدادها في الأزمة السورية وإن تبجحت بترديد عبارات
مثل حق الشعوب في تقرير مصيرها.. فروسيا اليوم غير روسيا يلسن في
التسعينات، وبالتالي كان من الأجدى أخذ ذلك بعين الاعتبار.
النظام السوري عرف كيف يتقن اللعبة السياسية.. فسلّم الروس كامل
الصلاحيات ليكون تحت مظلتهم يفعل ما يأمرون.. فاستلمت الخارجية الروسية دفة
القيادة لتتكلم بالنيابة عنه وتردد عباراته ليس محبة -فأجهزة المخابرات
الروسية على إطلاع تام بما يحدث في سوريا- ولكن لتحقيق المصالح فقط.. وذلك
ما تُبنى عليه سياسة الدول، فلا مكان للمشاعر في السياسة.
في لغة المصالح نرى أن المستفيد الوحيد من الموقف الحالي المتأزم هو
النظام الروسي، فهو يتفاوض ويكسب من النظام السوري من جهة ويناور ويكسب من
أمريكا وحلفائها الداعمين للمجلس الوطني من جهة أخرى. وحده الله والقائمين
على النظام السوري يعلم ما حجم الامتيازات التي استفادت منها الشركات
الروسية والمخابرات الروسية والنظام الروسي في سوريا، وعلى الطرف الثاني
نرى أن روسيا ظهرت كقوة عظمى يحسب لها حساب على الصعيد الدولي، وخاصة
بتحالفها مع الصين التي تمثل أقوى اقتصاديات العالم في ظل الأزمات
الاقتصادية الغربية.
روسيا لم تكتفي بذلك، بل أعادت للأذهان الحرب الباردة بتصدرها لعناوين
الصحف الغربية كلاعب أساسي ومهم في السياسة العالمية لتقطف ثمار تعنّتها
لأي حل سياسي مع فشل المجتمع الدولي في توحيد جهوده لدخول حرب مكلفة لا
ثمار منها على غرار الحل الليبي، ولا ننسى المفاوضات مع دول الخليج العربي
البعيدة كل البعد عن متناول السياسة الروسية لتصبح ذات ثقل هام وخاصة مع
دخول التوتر الإيراني – الخليجي في المنطقة، ومن ناحية أخرى هناك التنافس
الشديد بين روسيا وقطر على مد أنابيب الغاز لتصل للأسواق الأوربية المتعطشة
لهكذا طاقة سهلة وغير مكلفة مقارنة بالنفط.
وعلى الصعيد الداخلي الروسي ظهر بوتين كرجل دولة أعاد للأمة السوفيتية
مجدها الضائع على الساحة العالمية مستفيدًا من ذلك في معركة انتخابية راهن
عليها الكثيرين من المجتمع العربي والدولي وخسروا. من كل ذلك نلاحظ أن
روسيا اليوم تعيش ازدهارًا سياسيًا على كافة الأصعدة نتيجة للأزمة السورية،
فهي المستفيد الوحيد من بقاءها وطول أمدها كأزمة.. ولربما يستطيع الرئيس
أوباما أن يقنعها بحل سياسي (يمني) بديل -كما تسرب مؤخرًا عن النيويورك
تايمز- يضمن لها مصالحها وهيمنتها في المنطقة.