الموقف الروسي، واتفاقية سايكس بيكو - عبد الغني محمد المصري

الموقف الروسي، واتفاقية سايكس بيكو - عبد الغني محمد المصري

مع انطلاق الثورة السورية، قرأت كتابا يتحدث عن الجيش السوري، منذ عام 1918، وحتى عام 2004، عندما يقرأ المرء الكتاب، تتوضح امامه بشكل مذهل التطبيق العملي لاتفاقية سايكس بيكو على الارض.
كانت اتفاقية سايكس بيكو عام 1916، تفاهما سريا بين فرنسا وبريطانيا، بمصادقة من الامبراطورية الروسية على اقتسام الهلال الخصيب، لتحديد مناطق النفوذ بعد سقوط الامبراطورية العثمانية. ثم تم اقرار الحدود النهائية مع مؤتمري سان ريمو عام 1920، ثم معاهدة لوزان عام 1923.

ما يهمنا من الخلاصة اعلاه، ان الاتفاقية كانت بين فرنسا، وبريطانيا، بمصادقة روسية.وحسب مبادئ القانون الدولي، تعتبر الحدود الموروثة عن الاستعمار، حدودا مقدسة لا يجوز الاعتداء عليها. يمكن الرجوع الى بحث " القضية الفلسطينية ومبدأ قدسية الحدود الموروثة عن الاستعمار" للباحث الدكتور//السيد مصطفى أحمد أبو الخي.

لقد رأيت شخصيا، -بعد قراءتي للكتاب المذكور آنفا، أن الشعب السوري، ودون أن يدري، ودون تخطيط منه، أو دراية، يقوم بإلغاء بعض اجزاء اتفاقية سايكس بيكو، والتي من ضمنها اتفاق فرنسا مع الطائفة العلوية على تولي الحكم في سوريا. أثناء احد المؤتمرات الطلابية التي اقيمت في بغداد في التسعينات من القرون الماضي، كانت هناك كلمة لاتحاد طلبة فرنسا في المؤتمر، وكان مما قاله في تلك الكلمة، ان فرنسا ديغول تعتذر للشعب السوري على مباركتها تولي تلك الطائفة الحكم في سوريا.

ومن خلال رؤيتي ومراجعتي للاحداث منذ حرب العراق، مرورا بالربيع العربي، ان الفيتو المحصور بين خمس دول، يجوز للدولة في حال كانت المنطقة تابعة لنفوذها حسب الاتفاقيات التاريخية، ولا يجوز للدولة المالكة لحق الفيتو ان تعمل فيتو لمنطقة خارج نفوذها وانما يمكنها، التحفظ او عدم التصويت، وسأورد الامثلة التالية التي تدعم هذا التصور:


- قبل الحرب الأخيرة على العراق، وقع العراق اتفاقية مع روسيا بقيمة 40 مليار سنويا، كي تستخدم روسيا الفيتو، لكن روسيا لم تفعل لآن العراق منطقة نفوذ بريطاني –امريكي-.

- عندما بدأت الثورة في ليبيا، لم تتحرك أية دولة إلا بعد أخذ موافقة إيطاليا، كما كنا نسمع في كل الفضائيات، وكانت ايطاليا هي المفتاح للتدخل، كون ليبيا منطقة نفوذ ايطالي، بناء على الاستعمار السابق لها. وكلنا يذكر الانباء التي تكلمت كثيرا –قبل الثورة بسنوات- ان من فتح الحصار السياسي عن النظام الليبي هو برلسكوني، اي ابطاليا، وذلك ليس لان برلسكوني ذو علاقات طيبة، وذكي، بل لان ليبيا منطقة نفوذ مفتاحه ايطاليا، وهذا ما ادركه معمر القذافي جيدا، وانطلق اليها لفك حصاره السياسي بعد عجزه مع بريطانيا وغيرها.

- ثورة تونس، كان الدور الابرز لفرنسا.
- ثورة مصر، مصر نفوذ بريطاني، اي امريكي، لم تتدخل فرنسا او روسيا.
- الثورة السورية، منطقة نفوذ فرنسي، بريطاني، روسي، حسب سايكس بيكو، لذلك نجد ان اول من نشر اخبار الثورة السوريةـ هما قناتا البي بي سي، وفرانس 24، ثم بعد ذلك بفترة قصيرة القنوات الاخرى.

لذلك امريكا، وغيرها، وكذلك النظام السوري الطائفي، يدركون جيدا مرجعية الاتفاقيات الدولية، وانه لا يمكن إلغاؤها الا بنشوب حرب عالمية اخرى، تؤدي الى اعادة توزيع مناطق النفوذ في العالم. وهذا ما يفسر ركون النظام السوري القوي على الموقف الروسي. كما يفسر ذلك ارسال روسيا لبوارجها الى طرطوس، وارسال كل انواع الاسلحة دون اي اعتراض، ولن يتقدم مجلس الامن بأي قرار الا وفق رؤية روسيا.

موقف روسيا، ليس بسبب المصالح الاقتصادية فقط، فليبيا من الناحية الاقتصادية كانت ذات جدوى افضل بمرات عديدة من سوريا. كما ان الموقف الروسي ليس فقط من اجل قاعدة عسكرية في طرطوس، فقاعدة عسكرية في ليبيا في منتصف البحر المتوسط، افضل عشرات المرات من قاعدة نائية في اقصى شرق المتوسط.
فالموقف الروسي، اضافة الى كل التحليلات حوله، هو موقف مبني على حق تاريخي في منطقة نفوذ حسب اتفاقية سايكس بيكو. لذلك رأينا تفريغ اكثر من مبادرة عربية من محتواها عبر روسيا، واوامرها.

ما الحل؟!!. الحل بالنسبة للثورة هو الاستمرار، لان للتاريخ حركة كونية، "وتلك الايام نداولها بين الناس"، وحركة التاريخ الكونية، تشبه الاعصار، مؤلمة، صعبة، لكن التغيير لا بد، حاصل. والارض تفرض على الجميع وقائع جديدة. وقد تؤدي هذه الثورة الى حرب اقليمية مفتوحة كونها تخترق وتعيد صياغة وقائع دولية.
في النهاية الاستمرار في الثورة، وانهيار النظام المتسارع، سيجبر روسيا على البحث عن مستقبل لها مع نظام جديد في سوريا، لكن يبقى الرهان على الارادة الثورية، واولا وقبل كل شيء، فالله غالب على امره، ولكن اكثر الناس لا يعلمون.

عبد الغني محمد المصري